القرآن الكريم هو المنهج الرباني الذي أراده الله تبارك وتعالى منهاجاً للمسلمين لتسيير حياتهم الدنيا، ودستوراً لنظام الفرد والأسرة والمجتمع، وسبيلاً إلى جنته ورضوانه، وهو الصراط المستقيم الذي أيد به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في مسيرة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان معجزة باهرة، وحجة صادقة، وآية ظاهرة، ودلالة ناطقة ليرد كيد الكائدين، ويحق الحق ويمحق الباطل.
تلاوته وسماعه وتدبر آياته عبادة وطاعة وغذاء للروح وواحة تتجلى فيها النفس الإنسانية إلى الارتقاء والسمو إلى خالقها سبحانه وتعالى.
تقول السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران )) .
أول مانزل من القرآن :
نزل القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم في ثماني عشرة سنة كاملة: ثماني سنين في مكة قبل أن يهاجر وعشر سنين بالمدينة، دليل ذلك قوله تعالى: ((وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا )).
أما أول ما نزل من القرآن الكريم، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال ((اقرأ )) فقال رسول الله: فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ ما لم يعلم، فرجع بها يرجف فؤاده، حتى دخل على خديجة، فقال :زملوني . فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: ياخديجة، ما لي وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت عليَّ فقالت له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
ثم نزل بعد انقطاع الوحي لفترة قوله تعالى: يأيها المدثر.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه جابر ـ رضي الله عنه ـ وهو يحدث عن فترة الوحي، قال في حديثه: فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء، جالساً على كرسي بين السماء والأرض، فجثيت منه رعباً، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروني، فأنزل الله: يأيها المدثر.
وقال أبو إسحاق أحمد بن محمد المقري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري قال: حدثنا أبو الشيخ قال: حدثنا أحمد بن سليمان بن أيوب قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن سفيان قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: قال: حدثني أبي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، وآخر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة "المؤمنون" وقال: "العنكبوت"، وأول سورة نزلت بالمدينة: "ويل للمطففين"، وآخر سورة نزلت في المدينة "براءة"، وأول سورة علمها رسول الله بمكة "والنجم" وأشد آية على أهل النار: "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا"، وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وآخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها تسع ليال. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين