جيوش الظلام - جنود المصائب (المرتزقة)
شركات الخدمات العسكرية الخاصة في العراق ادوراها القذرة وقدراتها
الجزء الأول
الخصخصة الزاحفة لأعمال الحرب


إعداد الباحث اللواء الركن مهند العزاوي

اتسمت الحروب الحديثة بسمات مختلفة تماما مع أسس ومبادئ فن الحرب وتنوعت مفاصل التخطيط والتنفيذ والإسناد وتبتعد كل البعد عن السياقات العسكرية المهنية التي تعتمد عليها الخارطة الجيوعسكرية وخصوصا المعسكر الشرقي( العقيدة الشرقية) ليطرح مشروع استراتيجي عسكري( خصخصة الحرب) عام 1992في عهد بوش الأب, وتبنى تنفيذه ودعمه "ديك تشيني" رئيس شركة Halliburton "دونالد رامسفيلد" وزير الدفاع السابق" ليظهر جيل جديد من الصراع والحرب القذرة لا تعتمد على المبادئ والقيم الإنسانية التي تقرها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ومواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف, التي حددت بنودها دول وحضارات تؤمن بقيمة الإنسان وقدسية خلقه لزمن مضى وحمل معه أخلاقيات وشهامة ورجولة وإنسانية جيل رسم بالدم حدود لوحشية البشر وإطماعه, وحد السيف لمعاقبته ومقاضاته من اجل الأهداف الإنسانية السامية, وبدخول الألفية الثالثة الحروب الوحشية التي خلفت مجازر ودماء تصل في توصيفها الى مصاف جرائم الابادة البشرية (الابادة للجنس البشري) والتي راح ضحيتها الملايين من المدنيين الأبرياء بعد أن أحادية القطبية وعولمته وقذارة مخططاته التي تجعل من شعوب الدول الأخرى أجسادا مقطعه تنهش بها الغربان والذئاب وتستهدفهم الواحد بعد الأخر لتسود سطوة وجشع رؤساء الشركات الأمنية الخاصة وإنعاش سوق التجنيد الحالي للشباب العاطلين عن العمل والمجرمين ومجرمي الحرب الذين طردوا من جيوشهم, وآخرين يمتهنون الإجرام والقتل في كل زمان ومكان من اجل حفنة دولارات, وارتكبوا جرائم التطهير العرقي والطائفي والمذهبي لتشويه الدين الإسلامي عن طريق منظمات مخترقه تدار وتدعم من قبل المخابرات الأمريكية والموساد والمخابرات الأجنبية من خلال عناصر شركات الخدمة العسكرية الخاصة, لتصبح احد الركائز الأساسية لتنفيذ المخططات الاستراتيجية الشبحية والمهيمنين على تجارة شركات الخدمات العسكرية الخاصة والتي تتخذ من دول العالم الثالث ميدان لجرائمها وأعمالها القذرة, منطلقه من قاعدة مرتكزاتها, جيوش , منظمات ,واجهات ,قواعد جوية , أساطيل ,حصانه لا مثيل لها في العالم , ويمكن توصيفهم سفاحو بغداد الحقيقيين .
شيعت في الآونة الأخيرة فضائح الشركات الأمنية العاملة في العراق, والتي تؤدي أدوارا قذرة وأكثرها فضيحة شركة" بلاك ووتر", التي نسبت إليها جريمة قتل المدنيين الأبرياء في ساحة النسور وموثق ضدها أكثر من 229عملية قتل للمدنيين العراقيين 198منها كان منتسبي هذه الشركة هم البادئون بالقتل والباقي هم البادئون بإطلاق النار وكلاهما الضحية من المدنيين الأبرياء العزل من أبناء الشعب العراقي, وهناك شركات كثيرة تعمل على الأراضي العراقية والبالغ عددهم 138000الف منتسب أجنبي من مختلف دول العالم مهنتهم القتل المجاني المدفوع الأجر , وأثارت قضية التعذيب التي تعرض لها الأسرى العراقيين في سجن أبي غريب من قبل عناصر جنود الاحتلال الأمريكي جدلا كبيرا وعميقا وردود أفعال واسعة وغاضبه على الصعيد الدولي والعربي والإقليمي؟, وسرعان ما استدركت الإدارة الأمريكية والبنتاغون الأمر, وسارعت للدفاع عن سمعة قواتها في العراق لتصرح" أن المتهمين بعمليات التعذيب أشخاص لا ينتمي معظمهم الى الجيش النظامي الأمريكي بل هم عناصر مرتزقة ينتمون الى ما يعرف شركات الأمن الخاصة, التي من ضمن مهامها المشبوهة" انتزاع الاعترافات والمعلومات من الأسرى لصالح قوات الاحتلال" بوسائل تعذيب مختلفة وبالتأكيد أنهم على سباق بل وتفاخر مع القوات النظامية في الإيغال بالدم العراقي, وهنا تجنب المسئولون الأمريكيون-ساسه-عسكر-موظفون-إعلاميون الخوض في تفاصيل هذا الانعطاف في تاريخ الجيوش وخصوصا وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون التي لا تكشف للعلن تنامي قدرات هذه الشركات امنيا وعسكريا في مختلف المجالات الى جانب تشكيلات الجيش النظامي وأدوارها القذرة في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية في ما وراء البحار, في مناطق التوتر والحروب التي تتدخل فيها الولايات المتحدة ويعود تاريخ التعاون مابين المرتزقة والجيش النظامي الى حرب فيتنام في الستينات من قبل وكالة الاستخبارات المركزيةCIAوالتي كانت تعمل ضمن برنامج سري يعرف ( العمليات السوداء) ويستخدم فيها المرتزقة لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضد أهداف معاديه لا تريد الولايات المتحدة التورط فيها بشكل مباشر وخصوصا أن خسائر هذه الشركات لا تعتبر على الصعيد الرسمي خسائر للجيش الأمريكي.
خصخصة الحرب
اتسمت دعائم النظام العالمي الجديد بخصخصة الحرب والتي أرسى دعائمها الرئيس الأمريكي" جورج بوش الأب" في أوائل التسعينات عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وكانت الحرب الباردة على صعيد الصراع مستندة على النزعة العسكرية والإستخبارتية الضخمة مما أحدث إرباكا عسكريا وتنظيميا من الانتقال السريع والمفاجئ لتفكيك المؤسسات العسكرية, وضاعف من حجم وتأثير هذا الإرباك أن خطر المواجهات والحروب العسكرية لم يتلاشى حيث برزت أنواع جديدة من الصراعات الإقليمية والمحلية رسخت ركائزها دوائر المخابرات الأمريكية والموساد ولمتمثله (العنف الطائفي والعرقي والديني) في مناطق حسمت السيطرة الاستراتيجية عليها بعد انتهاء الحرب الباردة, التي خرجت من دائرة المراقبة للنظام الدولي ولم تعد تمثل مصالح استراتيجية للدول الكبرى الأخرى أو مجال للتنافس والصراع بينها مع تزايد الفراغ الأمني الدولي الناتج من ظهور المنظمات الإرهابية وعصابات المافيا على مستوى العالم, لتغذيها دوائر سياسية عالمية مختلفة لمهام استراتيجية, إضافة الى تطور بعض القوى الإقليمية في المناطق المتوترة في العالم مثل" الشرق الأوسط والبلقان وجنوب أسيا" هذا المسلك الاستراتيجي للمشروع الأمريكي" دق ناقوس الشروع بالهيمنة الأمريكية على تلك المناطق منطلقا من ركائز وأسس مشروع القرن الأمريكي - الشرق الأوسط, ولغرض تبرير التكتيك الاستراتيجي لتطوير قوه الردع الاستراتيجي والقدرة الأمريكية بطريقة لا تثير الشك لدى الخصوم التقليدين والمحتملين لها, نوهت عن فراغ امني ناتج من تقليص حجم الجيش الأمريكي لترويج التدفق المالي من خلال شركات الخدمات العسكرية التي تطورت تطور كبيرا لتضاهي القوات ألنظاميه ( الجيش الأمريكي)حيث بدأت هذه الشركات في تجنيد القوات الخاصة, والجنود, والعملاء من بين ملايين الجنود الذين أصبحوا عاطلين عن العمل بعد تقليص الجيوش ألنظامية كما قامت هذه الشركات بتجنيد جواسيس سابقين من جنسيات مختلفة, شملت بالإضافة للعناصر الغربية عناصر من جنوب أفريقيا والنيبال والبلقان والشراكس والعرب, ومن عناصر وكالة المخابرات السوفيتية السابقة( كي جي بي) وجنود سابقين وكان مهندس هذه العملية ( خصخصة الحرب) وراعيها في الولايات المتحدة وزير الدفاع السابق ومهندس الحرب على العراق "دونالد رامسفيلد" بالتعاون مع نائب الرئيس, ديك تشيني, وتحت رعايتهما جرى التوسع في بناء وتطوير شركات الخدمة العسكرية الخاصة, وفي عام 1992تم تكليف شركة "سيرفس روت براون"-services root brown بوضع خطة لخصخصة الخدمات العسكرية في مناطق الحرب وخصصت لها مبلغ5ملايين دولار لأعداد هذه الخطة وتعتبر هذه الشركة أحدى شركات "هاليبرتون"-Halliburton التي كان يرأسها ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الحالي وكسبت هذه الشركة مبلغ2, 5بليون دولار لبناء قواعد عسكرية بعضها مواقع سرية كجزء من برنامج الزيادة المدنية اللوجستية للجيش- logistic civil augmentation program army وتم تنفيذ خطة "تشيني" بالفعل حيث جرى تقليص حجم الجيش الأمريكي من 2,1 مليون جندي في عام1989الى4و1مليون جندي في عام 2004,أصبح الجيش الأمريكي عبارة عن مقاولة تجارية وكأنه شركة تجارية وهذه سمات النظام الرأسمالي وحكومة الشركات الني تحكم الولايات المتحدة, وبالتأكيد يجري سد النقص من خلال الشركات الأمنية الخاصة في مهمات خاصة تندرج ضمن مهام الولايات المتحدة في الصراعات الإقليمية المسلحة التي تخوضها خارج أراضيها, وبمصطلح المناطق الساخنة وكانت تسد الحاجة شركة login foreign وقدمت عدد كبير من المرتزقة, وانتقل المئات من المتقاعدين الى العمل في هذه الشركات الخاصة كمرتزقة .
أكد المركز العام للإحصاء في الولايات المتحدة أنفاق البنتاغون 300مليار دولار تعاقدات بلغ عددها 3016عقدا, لشراء خدمات عسكرية من 12 شركه خاصة, وذلك خلال الفترة مابين 1994وعام2002وهذه الأرقام لا تشمل عقود التسليح" وقد أعطت صحيفة "الفايناشيل تايمز" لهذا التيار عنوان (الخصخصة الزاحفة لأعمال الحرب) وأفادت أن نسبة موظفي وعمال القطاع الخاص في القوات المسلحة الأمريكية أثناء حرب الخليج الثانية لم تتجاوز2%وارتفعت عام2003 الى 10%وتستخدم وزارة الدفاع الامريكيه متعهد خاص بأعداد ليست بالقليل ويتم إنفاق 33بليون دولار من اجمالي416بليون دولار حجم الإنفاق العسكري الأمريكي على شركات الخدمات العسكرية الخاصة أي أكثر من ثلث ميزانية الجيش ألمخصصة لأفغانستان والعراق؟؟؟
عبر "دونالد رامسفيلد" مررا عن سياسته التي تقضي بتقليص حجم القوات البرية الأمريكية وجعلها أكثر خفة ورشاقة وتعويض ذلك بالاعتماد على القوة الجوية وسيادتها في مسارح العمليات وما تستخدمه من أنظمة تسلح وذخائر ذكيه ذات تكنولوجيا متقدمة_الجيش الصغير الذكي) وما تحقق من تقدم مذهل في السيادة المعلوماتية-supremacy information, وانعكاس ذلك على الاستخدام الموسع لحروب المعلومات –information warfare بالإضافة للتطور الذي تحقق في منظومات الالكترونية وتأثيرها الايجابي في وفرة ودقة وسرعة الاتصالات لصالح مراكز القيادة والسيطرة والإنذار المبكر والمعركة الفضائية على جميع المستويات, مع التطور في أداء وقدرة وتخزين وتصميم الحاسوب الالكتروني, وتطور استخدام الأقمار الصناعية, وتأثير ذلك في تجميع وتحليل المعلومات وقدرة وسائل الاستشعار على توفير قدرات متقدمه في مجال السيطرة على مسارح العمليات, وخصوصا عند القتال في جبهات ذات خصائص طبوغرافية مختلفة, هذا إلى جانب ازدياد التركيز على تقنية التحكم من بعد واستخدام الطائرات غير المأهولة والتوسع في استخدام تكنولوجيا الإخفاء-STEALTH , وكانت هذه السمات والقدرات المذكورة أعلاه عززت موقف وزير الدفاع السابق *دونالد رامسفيلد* ورفضه زيادة قوات الاحتلال في العراق رغم كل الانتقادات التي وجهت له من جنرالات المؤسسة العسكرية الأمريكية, مع تفاقم وتزايد الخسائر التي منيت بها قواتهم من جراء ضربات المقاومة العراقية , وكانت نظرية الضربات الحربية عند غزو العراق تعتمد وبشكل أساسي على مبدأ( الصدمة والرعب ) "طبعا هذا من المنظور الأمريكي والغربي لا يعتبر إرهابا ترويع المدنيين العزل واستهدافهم بجميع الأسلحة الحربية من قبل قوات الاحتلال" وهذه النظرية القائمة على مبدأ الصدمة والرعب أو الترويع كما يطلق عليها تأتي من فكرة استخدام جميع الأسلحة دقيقة التوجيه للقضاء على أهداف محدده وبارزه وذات تأثير معنوي وتعبوي وبشكل سريع وحاسم يهز روح القتال لدى الخصم وقدرته على الصمود والدفاع , وتحقيق هذه الأهداف باستخدام هذه النظرية يعني استخدام جميع الموارد وشمل كافة الأهداف ألاستراتيجية والسوقية والتعبوية والتركيز بوحشية على الأهداف المدنية , لخلق حالة من الغضب والهيجان الشعبي ليستغله في دس الجواسيس والعملاء وتطوير تفوقه التكنولوجي بصفحة هيجان شعبي مبعثر يخرق الجبهة الداخلية للخصم وتنفذها عناصر شركات الخدمات العسكرية الخاصة.
الخصخصة البريطانية
اتخذت بريطانيا هي الأخرى كافة الخطوات باتجاه الخصخصة وأعلن وزير دفاعها "جون هون" في 21/7/2004عن الغاء19000وظيفة في القوات المسلحة البريطانية بحلول عام 2008, وعند عرض استراتيجية تحديث نظام الدفاع البريطاني للسنوات المقبلة أمام مجلس العموم وأشار الى أن سيتم تخصيص الأموال التي يتم توفيرها من جراء إلغاء الوظائف لتطوير إمكانيات التدخل العسكري الميداني , وبتطبيق هذه الخطط الاستراتيجية حلت الجيوش الخاصة محل الجيوش النظامية للدول في جانب كبير من المهام المكلفة بها في الصراعات المسلحة, ولحروب التي تدور في مناطق عديدة من العالم, والعراق هو مثال حي من أكثر من أربعين دولة تعمل فيها شركات الخدمات العسكرية الخاصة.والتي تنظمها وتديرها العديد من الشركات العاملة في مجال الخدمات العسكرية والتي ازدهرت في السنوات العشر الأخيرة, واستحدثت سوقا عالمية مزدهرة بمقدورها تغيير موازين القوى في الأوساط العامة والخاصة المدنية منها والعسكرية على الصعيد الدولي والإقليمي والوطني, وكانت هذه الشركات حتى بداية العدوان على العراق تعمل بحذر وبكتمان شديد, والمعلومات المتيسرة عنها شحيحة, ولم يعلم سوى عدد قليل من العسكريين أن الطائرة الأمريكية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية والتي أسقطت خطأ فوق بيرو هي مدنية وتحمل *مبشرين أمريكيين* وكانت مستخدمة من قبل إحدى شركات الخدمات العسكرية الخاصة وكذلك بالنسبة للأمريكيين الثلاثة الذين قتلوا في غزه خريف عام2003كانوا أيضا موظفين في أحدى الشركات الخاصة وفي مهمة تجسسية لحسابها, وأخذت الشركات الخاصة تظهر وتتضخم وبشكل واضح للعيان وتتقاضى مبالغ مالية هائلة قد تتعدى 100ملياردولار سنويا ,وعدد من هذه الشركات شارك في تمويل الحملات ألانتخابيه للرئاسة والكونغرس ودعم أحزاب أمريكية ولاحظ المراقبون أن شركة هاليبرتون- Halliburtonكانت تدعم الحزب الجمهوري, وعنصر الربط واضح لان رئيسها "ديك تشيني" الذي أصبح بعد الانتخابات نائب الرئيس الأمريكي وعراب غزو العراق, وبالمقابل ضاعفت عقودها عدة مرات وعوضت خلال فترة رئاسة بوش أضعاف ما استثمرته في دعم رئيسها , ولعبت الشركات الخاصة دورا أساسيا في الحرب بأفغانستان فقد انتشر عناصرها مع طلائع القوات الأمريكية النظامية وعناصر وكالة الاستخبارات المركزيةCIA التي أرسلت لهذا البلد في محاوله للقبض على قيادات السلطة في أفغانستان وكوادرهم أو قتلهم وفق قائمه منقحة مسبقا (التصفية الجسدية أو الاختطاف) , وتشير مبادئ وفن الحرب واتفاقيات جنيف عدم جواز ارتكاب تلك الشركات معاملة أسرى الحرب بهذه الطريقة المليشياوية", وكان نشاط عناصر هذه الشركات( المرتزقة) مركزا في منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية, وكذلك شاركوا وبمهام متعددة في الفلبين ضد الثوار المسلمين, وفي كولومبيا ضد مافيا المخدرات,وفي جورجيا حيث قاموا بتدريب وحدات الجيش الجديد هناك بعد انفصال جورجيا عن الاتحاد السوفيتي السابق, ومن المعروف أن معتقلي" غوانتينامو"في كوبا محتجزون في سجن عسكري قامت ببنائه شركة هاليبرتون- Halliburton و فيه المحققين المسئولين عن الاستجواب من شركة" تيتان " وبات من المعروف أن هذه الشركات تعتبر المساهم الثاني مع القوات النظامية في العراق, وأكدت دراسة قامت بها صحيفة "الجارديان البريطانية" وأشارت إلى إحصاءات التحالف الرسمية إلى أن القوات البريطانية وهي اكبر حليف لأمريكا في العراق بالرغم من خروجها خالية الوفاض من الكعكة تحتفظ في العراق بحوالي9900جندي بينما عناصر شركات الخدمات العسكرية الخاصة تفوقها بقليل إذ يبلغ عددهم عسرة آلاف عنصر يعملون حاليا في العراق, وتشير الدراسة أيضا أن نسبة المتعاقدين في هذه الشركات أكثر عشر مرات عنه إثناء حرب الخليج الثانية عام1991 ففي تلك الحرب كان يوجد عنصر من هذه الشركات يقابله100جندي نظامي وألان عنصر يقابله10جنود نظاميين, ومن هنا بات القطاع الخاص العسكري جزء لا يتجزأ من الحرب والاحتلال حتى وصلت هذه ألاستراتيجية إلى نقطة اللا عودة, ويعتقد المراقبون والمحللون الاستراتيجيون أن القوات العسكرية ستعاني الكثير في المستقبل لو شنت حربا بدون الاعتماد الرئيسي على الشركات العسكرية الخاصة, وتضيف الصحيفة حول خصخصة الحرب " انه في الوقت الذي يصعب فيه الحصول على أرقام دقيقه فان حسابات الحكومة الأمريكية ومراقبتها للعقود المبرمة غير واضح تماما فان الجيش الأمريكي يقدر انه من بين 88 مليار دولار المخصصة هذا العام لتمويل حملته العسكرية الموسعة لما يسمى الحرب على الإرهاب والتي تشمل أفغانستان والعراق واسيا الوسطى( اكبر عملية تجاريه في التاريخ) فان ثلث هذا المبلغ سينفق على الشركات الخدمات العسكرية الخاصة؟؟.
مهام عسكرية حيوية
يؤكد محلل الشؤون الأمنية "بيتر سنجر" في معهد بروكينجز بواشنطن في دراسة له يقول فيها"أن هذا الاتجاه (خصخصة الحرب)آخذ بالنمو وقد بلغ في حملة غزو العراق أعلى مستوياته, ثم يضيف إن ما يحدث في هذا الشأن يعد تغيير كبيرا في الطريقة التي تنفذ بها الحرب, وهناك معادلات تاريخية في هذا الشأن, ولكننا لم نر مثيلا لما يحدث حاليا منذ 250 عام ويضرب"سنجر "أمثلة على ذلك بأنه عندما شنت الولايات المتحدة حربها الغير شرعية ضد العراق كانت السفن الحربية في الخليج العربي تحمل بجانب جنود البحرية الأمريكية عناصر أخرى من المدنيين تابعين لأربع شركات عسكرية أمنية خاصة, يقومون بتشغيل بعض أنظمة التسليح الحديثة ذات الطابع التكنولوجي المعقد, وعندما تم إقحام الطائرات بدون طيار في المعركة من طراز(بريدا تور)(B-2)و (F117) والتي تتمتع بنظرية الإخفاء (STEALTH) كان يقوم بإعمال صيانتها وخدمتها على الأرض عناصر غير عسكريين تابعين لشركات خاصة, أما ما بعد احتلال العراق ازداد تغلغل القطاع الخاص في الشئون العسكرية في العراق ومن ثم فإن التكنولوجيا العالمية المستخدمة في المعدات الحديثة ساعدت في تعزيز الاعتماد على شركات الخدمات العسكرية الخاصة, وذلك لما لديها من إمكانيات تحتاجها ألمؤسسة العسكرية ولا تملكها, وان المتعهدين من عناصر الجيش السابقين لديهم القدرة على استخدام وصيانة هذه المعدات كما أن بعض الأنظمة مثل طائرة الاستطلاع للجيش(Guardrail) تم تصميمها لكي يتم تشغيلها وصيانتها بواسطة الشركات الخاصة, ومن هنا نستعرض بعض الشركات التي تعمل في العراق مع بعض المعلومات المتيسرة عنها رغم التكتم الشديد حول عددها ومهامها:
أولا. شركة داين كروبDyne crop
وهي الأكبر بين شركات الخدمات العسكرية الخاصة العاملة في العراق, وتبلغ عقودها مع البنتاغون بقيمة أكثر من بليوني دولار, لتدريب وحدات الشرطة في مناطق مختلفة من العالم بعد توقف الحروب "وتمكنت تدريب الشرطة العراقية لتصبح اكبر أوكار الجريمة المنظمة ومعاقل التطهير المذهبي والطائفي والعرقي والفساد في العالم" وخلال العقد الأخير أرسلت هذه الشركة مدربيها إلى كل من "هاييتي-البوسنة-الهرسك-كوسوفو-ليبريا-تيمور الشرقية-أفغانستان-العراق" كما قدمت خدمات جوية في صالح برامج المخدرات في دول أمريكا اللاتينية خاصة كولومبيا بالإضافة إلى *تحديث أنظمة المعلومات في وزارات الخارجية, والعدل ,والدفاع الأمريكية, ومكتب التحقيقات الفدراليةFBI ,خدمات الضرائب الداخلية, ولجنة الأمن المتبادل, وكالة دعم مكافحة المخدرات, كما تقوم هذه الشركة بإدارة وتشغيل بعض المراكز الحدودية الأمريكية, وميادين اختبار أنظمة التسليح وتشغيل القواعد الجوية, وأسطول طائرات ومروحيات الرئيس الأمريكي, وكل هذه الأعمال أصبحت جذابة لشركة علوم الحاسوب وهي شركة "سوفت وير" وتعتبر وكالة الأمن القومي الأمريكي احد زبائن شركة "داين كروب" وحصلت على عقد قيمته950مليون دولار,هذا يعني انضمام شركة "سوفت وير" إلى الشركات العسكرية الخاصة مما يجعلها تشكل مركز قوة في "المجمع الصناعي العسكري ألمخابراتي الأمريكي" وقد كان تحركا موقوتا في ابريل2003انه بعد شهر من توقيع العقد كسبت"ديان كروب" عقد أخر قيمته505 ملاين دولار لمدة خمس سنوات لبناء قوة شرطة خاصة بعدا احتلال العراق؟؟
ثانيا.شركة رابطة علوم الكومبيوتر-CSC-Computer since crop
هذه الشركة تنشر حوالي91000من موظفيها حول العالم , ومن خلال تعاقداتها مع وزارتي الدفاع والخارجية تنفذ هذه الشركة " السياسة الخارجية الأمريكية بالوكالة" لذلك فأن عناصر الأمن الخاص التابعين لها يتمتعون بحصانة من العقوبات الجنائية, ومن خلال التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات مع وكالة"NSA" ناسا للفضاء تقوم رابطة'CSC'بتحديث وتشغيل وصيانة أنظمة أمن الاتصالات والمراقبة التابعة ل" ''NSAوتقوم أيضا بتشغيل وإدارة القواعد الجوية وتخطيط المعلومات وصيانة أنظمة تسليح الجيش والإشراف على امن القواعد البحرية ومعظم أسطول "ناسا الجوي" وإدارة امن الحدود والإشراف على منع تسرب التكنولوجيا الحرجة إلى ما وراء الحدود.
جدل حول شرعية أعمال الشركات
أصبح الجدل في بريطانيا حول الخصخصة العسكرية أمرا شائعا وحساسا منذ أحرجت شركات الخدمات العسكرية الخاصة الحكومة البريطانية في أواخر التسعينات, نتيجة أنشطتها اللا مشروعه التي مارستها شركة"ساند لاين" في "سيراليون" و"غينيا الجديدة" ولقد ثبت انه لا توجد دولة لديها سياسية واضحة المعالم لتنظيم عمل هذه الشركات والإشراف والسيطرة على ممارساتها, إضافة الى محدودية ألمراقبه على أعمالها ونادر ما تثبت فعاليتها, وفي الولايات المتحدة غالبا ما يخفون ملاحظات هذه المراقبة وتنكشف عندما يتعرض احد عناصر هذه الشركات إلى الخطف والقتل في المناطق الساخنة في العالم , أو كما جرى في العراق من ارتكاب مجازر وجرائم القتل بدم بارد للأبرياء المدنيين العزل وهذا سياق عملهم "اقتل لتعيش" النابع من الغريزة الحيوانية في الغاب "البقاء حي للأقوى" وقد زاد من صعوبة موقف الإدارة الأمريكية وتذبذب مواقفها وسياساتها في العالم أن هذه الشركات أصبحت مساعدا فعالا لأجهزة صنع القرار السياسي وعلى نطاق واسع وخصوصا السياسة الخارجية" تجارة وعقود القتل الجماعي" ومن الملفت للنظر أن أعمال هذه الشركات لا تخضع لأشراف "الكونغرس الأمريكي" ولا ينطبق عليها قانون "حرية المعلومات" المعول به وهذا يزيد من حجم المخاوف لدى الإدارة الأمريكية من تسرب متعلقات الأمن القومي الأمريكي ووزارة الدفاع من خلال متعهدي هذه الشركات لجهات معادية لأمريكا, وبالتأكيد تتلاءم مع حجم المبالغ الهائلة المدفوعة لشراء تلك المعلومات الهامة ألاستراتيجية, وحدثت الكثير من حوادث تسريب هذه المعلومات وتكتمت عليها الإدارة الأمريكية, وبات من الواضح سطوة ونفوذ هذه الشركات وإطلاعها التام على مفاصل القرار والتخطيط والتنفيذ وكونها الرديف الأساسي للجيش النظامي, وبالطبع لا تمتلك تلك الشركات الشرعية القانونية الدولية" وأمريكا نفسها لا تعترف بالشرعية الدولية" أو قوانين تحدد واجباتها وحدود عملها, ولكنها أصبحت العمود الفقري في تنفيذ السياسات الجيو الاستراتيجية والعسكرية للدول الكبرى بالتوافق مع مصالحها التوسعية في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية حصرا, وليس بخاف على احد سيطرة المحافظين المتشددين العاملين في ألمؤسسه الدفاعية الأمريكية والمسيطرين على صناعة القرار في إدارة بوش الجمهورية يشجعون هذا النوع من الارتزاق باعتباره تعبيرا عن ( الليبرالية الجديدة )كما يتصورها هؤلاء المحافظون المتشددون, وثمة فقهاء ومروجون لهذه الليبرالية الجديدة وهواة العولمة يجدون أن التوقف عن ظاهرة الارتزاق مدخل لإدانة الحرب في العراق, أنما هو نوع من الحنين إلى لغة أخلاقية تعود إلى زمن سابق يدور على سياسات التحرر من الاستعمار القائم حاليا ومتجسدا باحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق ودول أخرى استعمار غير مباشر.
ما نقلته الصحف عن المرتزقة
نشرت "الغارديان البريطانية" في5/3/2004 " تبحث وزارة الدفاع الأمريكية عن مرتزقة يعملون في العراق ومن أعضاء البحرية أو الكوماندوز الأمريكية السابقين وأشارت الصحيفة أن شركة "بلاك ووتر" قامت بالفعل بالتعاقد مع شركات من رجال القوات الخاصة السابقين من تشيلي وكلهم من رجال الدكتاتور السابق ( اوغسينو بينوشيه) وبالرغم من تدريبهم العالي تم إعادة تأهيلهم في مركز تدريب خاص يمتد مساحته 2400 هكتار في ولاية ( نورث كارولينا الأمريكية ثم نقلوا للعراق
نقلت "الغارديان" خلال حوار أجرته مع "غاري جاكسون" مدير شركة" بلاك ووتر-يو أس إيه" وهي نفس الشركة التي قتل منها المرتزقة الأربعة في الفلوجة في31/3/2004 أكد جاكسون للصحيفة أن الشركة تجوب الأرض للبحث عن "كوماندوز" محترفين وقد اكتشفنا أن الكوماندوز التشيليين من أكثر رجال القوات الخاصة حرفيا ويتوافق مع نظام الشركة وأكد أن تعاقده مع الحكومة الأمريكية يغطي95% من تعاقدات وان أعمال شركته تضاعفت بنسبة300% وان رواتب الجنود المرتزقة آنذاك يتراوح ما بين أربعة آلاف دولار إلى ثلاثين ألف دولار في الشهر حسب الخبرة والمهمات –حراسة السياسيين أو منشآت نفطية أو مرافقة القوافل العسكرية وراتب الأمريكي يختلف عن التشيلي والفليبيني وبقية الجنسيات.
نشرت "وكالة الأنباء الفرنسية" في اذار2003 عن احد المرتزقة قائلا أن العراق منجم وكل ما تحتاج هو أن تخدم خمس أعوام في الجيش الأمريكي وبعدها تحضر إلى العراق لتحصل على صرة كبيرة من المال خلال فترة قصيرة ويشير بذلك إلى الجنود المارينز والقوات الخاصة السابقين الذين عادوا للعراق كمرتزقة بمبالغ طائلة ومنهم الأربع الذين قتلوا في الفلوجة؟
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا في5/12/2006 طبقا لأول إحصاء عسكري أمريكي حول العدد المتزايد للمدنين العاملين على ارض العراق فان عدد المقاولين الوصف الرسمي "للمرتزقة" وصل إلى مئة ألف دون حساب عدد مقاولي الباطن وهو عدد يقارب حجم القوات العسكرية الأمريكية في العراق وعبارة مقاولين هي التعبير الرسمي الأمريكي عن المرتزقة وقدا كدت "الواشنطن بوست" على طبيعة عمل هؤلاء المقاولين ما يقومون به فقالت " أن المقاولين يقومون بأداء وظائف متنوعة مثل توفير الاستجواب والسجناء وإعداد الوجبات وتصليح الأجهزة وبناء القواعد إلي يتم إقامة الجنود بها وبالتأكيد جميع تلك مهام عسكرية لاسيما إذا كانت مع جيش محتل.
ذكرت مجلة "ميدل ايست" في عددها الصادر في ايار2007 أن عدد المرتزقة في العراق أصبح قريبا من الجيش الأمريكي الرسمي ويبلغ عددهم120الف وتشير مصادر أخرى وصول العدد إلى مائتي ألف وهذا ما أكده "جون هيلاري" مدير الحملات والسياسات في منظمة "وور أون وونت" البريطانية من خلال حوار له في لندن ايار2007 وبث من على قناة الجزيرة
أصدرت منظمة"وور أون وونت" تقريرا نشر في تشرين الثاني2006 عن أعمال المرتزقة في العراق جاء فيه أن عدد شركات المرتزقة في العراق بلغ182 شركة وان هذه الشركات تقوم بإعمال قتالية وأخرى في جميع المجالات وان عائدات هذه الشركات من عقود العمل في العراق بلغ1.8مليلر جنية إسترليني في عام2004 وما حجم المبلغ عام2008 وأشار التقرير إلى إن العائدات السنوية لهذه الشركة بلغت100 مليار دولار مما يعني وجود لوبي دولي جديد ربما اخطر من مافيا المخدرات والسلاح والدعارة لان هذا اللوبي يتعامل بشكل مباشر مع قتلة محترفين لا يهمهم سوى المال لممارسة كل الجرائم الحرب وأكد التقرير أن هناك شركات تشارك بشكل مباشر في القتال ومنها "بلاك ووتر, "هارت جروب", "كنترول ريسكز", " تريبل كانوبي" جميع المرتزقة لا يخضعون لأي قانون سوى قانون القتل والجريمة المباح الذي منحتهم إياه إدارة بوش.
استعرضت حقائق منشورة في دراسات وصحف ومراكز دراسات بخصوص المرتزقة واستراتيجيه خصخصة الحرب والمؤسسة العسكرية(مهندسيها تشيني- رامسفيلد) وهذا يخالف فن الحرب وتعتبرا سس عبثية مليشياوية تنتهك منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية والعسكرية, والغاية منها تدمير مرتكزات العلم العسكري وفقدان المسائلة القانونية والسياقات الرسمية التي كتبتها الشعوب بالدم لفرض السلم والأمن في سائر دول العالم, وخصوصا عندما ترهن حياة الملايين من البشر تحت إصبع زناد عنصر قذر مرتزق مثقل سجله بجرائم الابادة البشرية من اجل حفنة دولارات يقبضها ليقبض رؤساء شركاتهم مليارات الدولارات على أشلاء أجساد المدنيين الأبرياء, وبات من الواضح الحجم والدور الذي تضطلع به هذه العصابات والتي تسمى الشركات العسكرية الخاصة بشتى مسمياتها في دول العالم كافة , فأنها إخطبوط مدمر يمتد اذرعه في كل مكان وتدعمه قوى الشر لإذكاء الفتن والنزاعات والحروب ضد الشعوب الفقيرة والدول الغنية للقرصنة على ارثها الثقافي ونهب خيراتها, وادوار هذه الشركات مريب من جميع الجوانب وسنستعرضه بأكثر تفصيل في الأجزاء اللاحقة, فهي متغلغلة في أروقة صنع القرار السياسي للولايات المتحدة, وهي الرابح الأكبر من الحروب لأنها تجارتها الرائجة وتملك قاعدة مادية هائلة تفوق في قدراتها إمكانيات دول في العالم الثالث, وتخترق كل مواقع التقدم التكنولوجي وتمتلك قاعدة معلومات وقادرة على تنظيم وبرمجة وتسليح جيوش, وتسير جنب إلى جنب مع قدرات جيوش كبيرة , وتملك الكثير من السجون السرية في دول العالم وأساطيل الطائرات والقواعد الجوية والواجهات الرسمية وشبه الرسمية وعدد كبير من الخلايا النائمة في دول العالم, بل وكانت القاعدة الأساسية في مجاراة العولمة لدورها القذر في مختلف دول العالم لتصبح اكبر أوكار الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي ومعاقل التطهير المذهبي والطائفي والعرقي" وعمل عناصرها في "هاييتي-البوسنة-الهرسك-كوسوفو-ليبريا-تيمور الشرقية-أفغانستان-العراق وفضائحها في كل مكان وسنستعرض لاحقا الشركات الأخرى العاملة في العراق وأدوارها المشبوهة والموغلة بدماء الشعب العراقي العربي المسلم ودماء بقية الشعوب المسالمة في الأرض