الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
والصلاة والسلام على الشاهد المبشر النذير



وبعـــــــــــــــد


تفسير سورة القمر (2) 59196c0b5wf5cg4




[‏18ـ 22‏]‏ ‏{‏كَذَّبَتْ
عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ
رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ
كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي
وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ‏}‏

‏{‏وعاد‏}‏
هي القبيلة المعروفة باليمن، أرسل الله إليهم هودا عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته، فكذبوه، فأرسل الله عليهم

‏{‏رِيحًا صَرْصَرًا‏}
‏ أي‏:‏ شديدة جدا،

‏{‏فِي يَوْمِ نَحْسٍ‏}‏
أي‏:‏ شديد العذاب والشقاء عليهم،

‏{‏مُسْتَمِرٍّ‏}
‏ عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما‏.‏

‏{‏تَنْزِعُ النَّاسَ‏}
‏ من شدتها، فترفعهم إلى جو السماء، ثم تدفعهم بالأرض فتهلكهم، فيصبحون

‏{‏كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ‏}‏
أي‏:‏ كأن جثثهم بعد هلاكهم مثل جذوع النخل الخاوي الذي أصابته الريح فسقط على الأرض، فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره


‏{‏فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ‏}
‏ كان ‏[‏والله‏]‏ العذاب الأليم، والنذارة التي ما أبقت لأحد عليه حجة،

‏{‏وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ‏}
‏ كرر تعالى ذلك رحمة بعباده وعناية بهم، حيث دعاهم إلى ما يصلح دنياهم وأخراهم‏.‏

‏[‏23ـ 32‏]‏ ‏{‏كَذَّبَتْ
ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ
إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ
بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ
الْكَذَّابُ الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ
فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ *وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ
بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى
فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ *
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ‏}‏
أي
كذبت ثمود وهم القبيلة المعروفة المشهورة في أرض الحجر، نبيهم صالحا عليه
السلام، حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأنذرهم العقاب إن هم
خالفوه
فكذبوه واستكبروا عليه، وقالوا ـ كبرا وتيهاـ ‏:‏

‏{‏أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ‏}‏
أي‏:‏ كيف نتبع بشرا، لا ملكا منا، لا من غيرنا، ممن هو أكبر عند الناس منا، ومع ذلك فهو شخص واحد

‏{‏إِنَّا إِذًا‏}
‏ أي‏:‏ إن اتبعناه وهو بهذه الحال

‏{‏لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ‏}

أي‏:‏ إنا لضالون أشقياء، وهذا الكلام من ضلالهم وشقائهم، فإنهم أنفوا أن
يتبعوا رسولا من البشر، ولم يأنفوا أن يكونوا عابدين للشجر والحجر
والصور‏.‏


‏{‏أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا‏}‏
أي‏:‏
كيف يخصه الله من بيننا وينزل عليه الذكر‏؟‏ فأي مزية خصه من بيننا‏؟‏
وهذا اعتراض من المكذبين على الله، لم يزالوا يدلون به، ويصولون ويجولون
ويردون به دعوة الرسل، وقد أجاب الله عن هذه الشبهة بقول الرسل لأممهم‏:‏ ‏{‏قالت رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده‏}‏ فالرسل من الله عليهم بصفات وأخلاق وكمالات، بها صلحوا لرسالات ربهم والاختصاص بوحيه،
ومن
رحمته وحكمته أن كانوا من البشر، فلو كانوا من الملائكة لم يمكن البشر، أن
يتلقوا عنهم، ولو جعلهم من الملائكة لعاجل الله المكذبين لهم بالعقاب
العاجل‏.‏
والمقصود بهذا الكلام الصادر من ثمود لنبيهم صالح، تكذيبه، ولهذا حكموا عليه بهذا الحكم الجائر، فقالوا‏:‏

‏{‏بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ‏}

أي‏:‏ كثير الكذب والشر، فقبحهم الله ما أسفه أحلامهم وأظلمهم، وأشدهم
مقابلة للصادقين الناصحين بالخطاب الشنيع، لا جرم عاقبهم الله حين اشتد
طغيانهم فأرسل الله الناقة التي هي من أكبر النعم عليهم، آية من آيات الله،
ونعمة يحتلبون من ضرعها ما يكفيهم أجمعين،

‏{‏فِتْنَةً لَهُم‏}
‏ أي‏:‏ اختبارا منه لهم وامتحانا

‏{‏فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِر‏}‏
أي‏:‏ اصبر على دعوتك إياهم، وارتقب ما يحل بهم، أو ارتقب هل يؤمنون أو يكفرون‏؟‏


‏{‏وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُم‏}‏
أي‏:‏ وأخبرهم أن الماء أي‏:‏ موردهم الذي يستعذبونه، قسمة بينهم وبين الناقة، لها شرب يوم ولهم شرب يوم آخر معلوم،

‏{‏كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ‏}
‏ أي‏:‏ يحضره من كان قسمته، ويحظر على من ليس بقسمة له‏.‏


‏{‏فَنَادَوْا صَاحِبَهُم‏}‏
الذي باشر عقرها، الذي هو أشقى القبيلة

‏{‏فَتَعَاطَى‏}
‏ أي‏:‏ انقاد لما أمروه به من عقرها ‏{‏فَعَقَرَ‏}‏

‏{‏فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ‏}‏
كان أشد عذاب، أرسل الله عليهم صيحة ورجفة أهلكتهم عن آخرهم، ونجى الله صالحا ومن آمن معه ‏{‏وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ‏}‏



‏[‏33ـ 40‏]‏ ‏{‏كَذَّبَتْ
قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا
إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا
فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا
أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ
بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ
يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ‏}‏

أي‏:

‏ ‏{‏كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ‏}

لوطا عليه السلام، حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن
الشرك والفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين، فكذبوه واستمروا على
شركهم وقبائحهم، حتى إن الملائكة الذين جاءوه بصورة أضياف حين سمع بهم قوم
لوط، جاؤوهم مسرعين، يريدون إيقاع الفاحشة فيهم، لعنهم الله وقبحهم،
وراودوه عنهم، فأمر الله جبريل عليه السلام، فطمس أعينهم بجناحه، وأنذرهم
نبيهم بطشة الله وعقوبته ‏{‏فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ‏}

قلب الله عليهم ديارهم، وجعل أسفلها أعلاها، وتتبعهم بحجارة من سجيل
منضود، مسومة عند ربك للمسرفين، ونجى الله لوطا وأهله من الكرب العظيم،
جزاء لهم على شكرهم لربهم، وعبادته وحده لا شريك له‏.‏

تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


استغفر الله واتوب اليه
تفسير سورة القمر (2) 59196c0b5wf5cg4