[size=48]أيهما تريد أيها المسلم ؟ 925100616[/size]


[size=48]أيهما تريد أيها المسلم ؟[/size]

[size=32]الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن كل مخلوق أيها الأحبة الأفاضل،مهما طال عمره و امتد أجله، الموت نازل بساحته، والفناء لاحق به في أي مكان كان ولو تحصن وبذل الجهد للفرار منه!، قال تعالى:(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنت في بروج مشيدة)[ النساء: 78]
قال الإمام الطبري-رحمه الله-:"فإن الموت بإزائكم أين كنتم وواصل إلى أنفسكم حيث كنتم، ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة ". تفسير الطبري (5/ 172).
ولو جعل الله جل جلاله البقاء لأحد لكان لأنبيائه المطهرين وعباده الصالحين، قال سبحانه:( إنك ميت و إنهم ميتون)[الزمر:30]
فالموت أيها الكرام، لا يخشى أحدا و لا يُبقي على أحد، ولا يُفرق بين أحد،لا يعرف صديقا، ولا يميز بين كبير ولا صغير،ولا صحيح ولا سقيم،فهو نازل بهم كلهم،ولو طال بهم المدى وعمَّروا سنينا.
قال ابن الجوزي-رحمه الله-:" يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً،ولا يغترر بالشباب والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشبان".صيد الخاطر(ص 63)
فلا مرد للموت الواقع من دافع،ولا ينفع في تأخيره شافع،يحاول الإنسان أن يبتعد عنه ويهرب منه!، لكنه لا محالة ملاقيه ولكأسه ساقيه،قال تعالى:(قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم )[الجمعة :8].
أيها الأحبة لقد شاء الباري جل وعلا لحكمة منه أن لا يجعل للعبد مهما كان قدرة ولا علما كيف يختم له،وإن كانت أوقاته يقضيها في الصالحات أو يضيعها في المحرمات، فعن سهل بن سعد الساعدي –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إن الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى الناس عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى الناس عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وهو من أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا". رواه البخاري (6128) واللفظ له،ومسلم (112)
قال ابن بطال –رحمه الله- :" في تغييب الله عن عباده خواتيم أعمالهم حكمة بالغة وتدبير لطيف،وذلك أنه لو علم أحد خاتمة عمله لدخل الإعجاب والكسل من علم أنه يختم له بالإيمان،ومن علم أنه يختم له بالكفر يزداد غيًا وطغيانًا وكفرًا فاستأثر الله تعالى بعلم ذلك ليكون العباد بين خوف ورجاء،فلا يعجب المطيع لله بعمله ولا ييأس العاصي من رحمته،ليقع الكل تحت الذل والخضوع لله والافتقار إليه".شرح صحيح البخاري لابن بطال(10 /203)
لكن الموت عند نزوله بساحة الخلق لا يجدهم سواء،وهذا من عدل الحكيم العليم جل وعلا الذي لا يظلم أحدا من خلقه.
فالقسم الأول:من تأتيه منيته وهو بعيد بفضل الله تعالى عن المنكرات مقبل على الطاعات مخلص في أعماله لرب البريات،فعن أنس –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أَرَادَ الله بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ"، فقيل كيف يَستعمله يا رسول الله؟ قال:" يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قبل الْمَوْتِ". رواه الترمذي (2142)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
قال الملا علي قاري-رحمه الله-:"أي حتى يموت على التوبة والعبادة، فيكون له حسن الخاتمة".مرقاة المفاتيح(9/ 471)
وعن حذيفة –رضي الله عنه- قال: أَسْنَدْتُ النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري فقال:" من قال لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ له بها دخل الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْماً ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ له بها دخل الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتمَ لها بها دخل الْجَنَّةَ ". مسند أحمد بن حنبل ( 5 /391) وصححه الألباني –رحمه الله- صحيح الترغيب والترهيب ( 985)
فيوفقهم خالقهم سبحانه إلى نطق الشهادتين قبل موتهم ، ومن ختم لهم بذلك كان نصيبهم الجنان بإذن الرحمن، فعن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كان آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إلا الله دخل الْجَنَّةَ".رواه أبو داود (3116) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- .
ويجمع الله جل وعلا في قلوبهم بين الرجاء في عفوه ومغفرته سبحانه ، وبين والخوف أن يعذبهم جل جلاله على ما قدمت أيديهم من الذنوب والمعاصي،فعن أنس -رضي الله عنه- قال:دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في سياق الموت فقال: "كيف تجدك؟"فقال:أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن،إلا أعطاه الله ما يرجو وأمَّنَه مما يخاف".رواه ابن ماجة(4261)وحسنه العلامة الألباني-رحمه الله-
وأما القسم الثاني من الناس: فهم الذين غرتهم الحياة الفانية فألهتم عن ذكر الله جل وعلا بزخرفها الزائل،فنسوا الحساب يوم يقفون بين يدي الله جل جلاله شديد العقاب، فتركوا الواجبات وتعدوا على المحرمات،وجاهروا بالمنكرات وانتهكوا الحرمات، فجاءهم الموت وهم في غفلة قبل التوبة،فساءت و العياذ بالله خاتمتهم ،قال عبد الحق الاشبيلي-رحمه الله-(ت581 هـ):" وَاعْلَم أَن سوء الخاتمة أعاذنا الله منْها لا يكون لمن استقام ظَاهره وَصلح بَاطِنه، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك لمن كان له فساد فِي الْعقل وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة ويثب عليه قبل الإنابة ويأخذه قبل إصلاح الطوية،فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله".العاقبة في ذكر الموت (ص 180)
وقال الإمام ابن رجب-رحمه الله-:"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت".جامع العلوم والحكم (ص 57)
فخذلتهم الذنوب والمعاصي والشهوات عندما جاءهم ملك الموت المرسل من رب الأرض والسماوات،وحلت بهم المنيَّات. قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- :"إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان فيقع في سوء الخاتمة، قال الله تعالى:(وكان الشيطان للإنسان خذولا )[ الفرقان :29]".البداية والنهاية( 9/163 )
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" (وكان الشيطان للإنسان خذولا ): يزين له الباطل ويقبح له الحق ويعده الأماني ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه، كما قال لجميع أتباعه حين قضي الأمر وفرغ الله من حساب الخلق (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل... الآية) [إبراهيم:22] فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان،وليتدارك الممكن قبل أن لا يمكن، وليوال من ولايته فيها سعادته،وليعاد من تنفعه عداوته وتضره صداقته،والله الموفق".تفسير السعدي(ص 582)
فعلينا أيها الكرام بعد أن عرفنا أن الناس ليسوا سواء عند نزول المنية بهم،أن نسأل الله جل جلاله في كل وقت وحين
أن يختم لنا بالأعمال الصالحة التي تنفعنا بإذنه سبحانه يوم نلقاه، ولنبذل الأسباب المعينة على ذلك من فعل الطاعات و التزود من الخيرات، وإصلاح الباطن والظاهر، والتوبة والغفران قبل فوات الأوان،لأن الروح إذا بلغت الحلقوم فلا تنفع عندئذ توبة ولا تجزي أوبة،قال صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ ما لم يُغَرْغِرْ".رواه الترمذي (3537)من حديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- وصححه الشيخ الألباني–رحمه الله-.
قال المباركفوري –رحمه الله- :" أي ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم ،يعني: ما لم يتيقن بالموت، فإن التوبة بعد التيقن بالموت لم يعتد بها".تحفة الأحوذي( 9/ 365)
ولنتذكر الموت وسكرته و القبر وضمته و لنتيقن بأن الدنيا مهما عظمت فهي حقيرة ومهما طالت فهي قصيرة،وصدق الإمام ابن القيم –رحمه الله-إذ قال في وصيته:"اشتر نفسك اليوم فإن السوق قائمة، والثمن موجود والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق و البضائع يوم لا تصل فيها إلى قليل ولا كثير (ذلك يوم التغابن) [التغابن:9]، (ويوم يَعضُ الظالم على يديه) [ الفرقان:27]".الفوائد (ص 49)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم أيها الكرام لحسن الختام، فهو سبحانه العزيز القادر العلام.

[/size]
[size=32]وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.[/size]