خير أمة.. وشر أمة

خير أمة.. وشر أمة 1423381181_193231

















أمة الإسلام هي خير الأمم، هكذا وصفها الله تعالى وأخبر عنها في كتابه: **كنتم خير أمة أخرجت للناس}.. غير أن هذه الخيرية ليست نابعة عن مجاملة أو محاباة أو اختصاص بلا مسوغ، وإنما علتها وسببها هو عين ما ذكره الله بعد ذلك معللا هذه الخيرية فقال: **تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}(آل عمران: 110).
فمناط الخيرية في أمة الإسلام مرتبط تماما بقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنبثق عن الإيمان بالله تعالى ورسوله. فمن حقق الشرط تحقق له المشروط وقامت به الصفة؛ كما قال عمر رضي الله عنه: "من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها".

معنى المعروف والمنكر والأمر بهما:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم لهذا الدين، وهو المهم الذي من أجله ابتعث الله النبيين أجمعين، وهو مهمة ووظيفة خاتم المرسلين.. قال تعالى: **الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}(الأعراف:157).
فما هو المعروف وما هو المنكر.. وما معناهما:
المعروف: كل ما تعرفه النفس وتطمئن إليه من الخير.
وقيل المعروف: كل ما يستحسن من الأقوال والأفعال (قاله الزجاج)
وقيل المعروف: كل ما ندب إليه الشرع واستحسنه ..
والمنكر خلافه.

والأمر بالمعروف: هو الأمر بالخير والدلالة عليه. والنهي عن المنكر: هو النهي عن الشر والتنفير منه.
والأمر بالمعروف: أمر بكل ما يرضي الله من الأقوال والأفعال. والنهي عن المنكر: هو تقبيح ما تنفر عنه الشريعة ويغضب الله من الأقوال والأفعال.

واجب من الواجبات:
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الشرعية والشعائر الدينية.. أمر الله به عباده في كتابه فقال: **وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر وَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران:104).
وقال سبحانه: **فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(التوبة:122).

وهي صفة المؤمنين والمؤمنات من عباد الله: **وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّه إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة:71)
وقال عز وجل في بيان وصية لقمان لابنه وهو يعظه: **يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(لقمان:17).
وقال أيضا: **الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(الحج:41)

فهم لابد أن يصحح
وأما قوله سبحانه في سورة المائدة: **يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}(المائدة:105).. فمن فهم منه أن الإنسان عليه بنفسه ولا علاقة له بالآخرين، فهو فهم خاطئ، خشي أبو بكر رضي الله عنه ـ شيخ المسلمين وأعلم الناس بعد الأنبياء والمرسلين ـ أن يقع فيه أحد من المسلمين؛ فقام خطيبا في الناس وقال: "أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: **يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ]إن الناس إذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب](رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح).

فالسنة النبوية تبين مقاصد القرآن، وتوضح مبهمه، وتفصل مجمله، وقد جاءت السنة مليئة بالدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ففي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ]من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان].
وفي صحيح سنن ابن ماجه: ]لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه].
وقد روى أبو داود والترمذي (وقال حسن غريب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ]إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر]. وقال: ]سيدُ الشهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلبِ، ورجلٌ قامَ إلى إمامٍ جائرٍ فأمرَهُ ونهاهُ، فقتَلَهُ](صحيح الجامع).
عقوبات التهاون:
إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معناه انحسار الحق والخير، وانتشار الباطل والشر، وظهور المنكرات والدعوة إليها والمجاهرة بها، وهو ما ينذر بعقاب الله وهلاك المجتمعات.. فقد جاء في الصحيحين (البخاري ومسلم) عن زينب بنت جحش رضي الله عنها، أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ]أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث].. وهو ما يؤكده حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه في صحيح البخاري الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: ]مثلُ القائمِ على حدودِ اللَّهِ والواقعِ فيها كمثلِ قومٍ استَهموا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعلاَها وبعضُهم أسفلَها، فَكانَ الَّذينَ في أسفلِها إذا استقوا منَ الماءِ مرُّوا على من فوقَهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا!! فإن يترُكوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا].

إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قطع للصلة بيننا وبين الله سبحانه، فلا يسمع لنا دعاء، ولا يحقق لنا رجاء، ولا يدفع عنا بلاء، كما حذرنا من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن ابن ماجه فقال: ]مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم](حسنه الألباني). وأيضا في سنن الترمذي قال: ]والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم].

أمة ملعونة:
وحين تترك الأمة الأمر بالمعروف فإنها بذلك تفرط في سبب خيريتها وسبيل رفعتها، وتنتقل من كونها خير أمة لتلتحق بشر أمة، وهم أهل الكتاب من بني إسرائيل، حين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلعنهم الله وضرب بقلوب بعضهم ببعض.. وقد روي ذلك في سنن أبي داود وغيره عن ابن مسعود قال: ]إنَّ أوَّلَ ما دخل النَّقصُ على بني إسرائيلَ أنَّه كان الرَّجلُ يلقَى الرَّجلَ فيقولُ: يا هذا اتَّقِ اللهَ ودَعْ ما تصنعُ به فإنَّه لا يحِلُّ لك.. ثمَّ يلقاه من الغدِ ـ وهو على حالِه ـ فلا يمنعُه ذلك أن يكونَ أكيلَه وشريبَه وقعيدَه، فلمَّا فعلوا ذلك ضرب اللهُ قلوبَ بعضِهم على بعضٍ، ثمَّ قال: {لعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ... إلى قولِه تعالَى: فَاسِقُونَ. ثمَّ قال: كلَّا واللهِ لتأمرُنَّ بالمعروفِ، ولتنهَوُنَّ عن المنكرِ، ولتأخذُنَّ على يدِ الظَّالمِ، ولتأطِرَنَّه على الحقِّ أطْرًا] ، وفي رواية: ]أو لَيَضَرِبَنَّ بِقُلوبِ بعضِكمْ على بَعضٍ ، ثُم يَلعنُكُم كَما لَعَنَهُمْ].