شرح حديث ( ولا تجعلوا قبري عيدا )
حديث ( ولا تجعلوا قبري عيدا )
الشيخ عيسى بن مانع الحميري / بلوغ المأمول في الاحتفاء والاحتفال بمولد الرسول
ومما فتح الله به على العبد الضعيف بفضل الله تعالى من قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم )) حديث صحيح أخرجه أحمد 2/367 وأبوداود 2042 وابن خزيمة 48 وغيرهم .
لما علم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من توقير الله له في جميع أطوار حياته وأن قبره مكرم معظم ، وسيكون ملجأ للصادقين : طلب من ربه ألا يخص ذلك التعظيم بيوم معين أو ساعة معينة لئلا تحصل فيه المشقة على الأمة ، بل أراد أن تكون زيارته صلى الله عليه وآله وسلم مطلقة في كل وقت وحين ؛ تيسيرا على هذه الأمة .
فكل وقت ولحظة يزور فيها الزائرون قبره المعظم هو وقت سرور وحبور لا شك في ذلك ولا ريب ، فهو مائدة مفتوحة كما هو الشأن في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، فكلما تصلي عليه يحصل لك السرور والفرح ، ويؤيد ذلك قول القاضي عياض والإمام ابن حجر كما نقل الإمام الخفاجي في نسيم الرياض 3/502 : " المراد لا تتخذوها كالعيد في العام مرة بل أكثروا من زيارتها –أي القبور- " انتهى قوله .
ويؤيد تلك الرواية قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تتخذوا بيتي عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني ) رواه الطبراني وأبويعلى بسند حسن كما قال القاري في شرح الشفا 3/502 هامش نسيم الرياض .
وهذا الحديث فيه تأكيد واضح أن الاحتفاء والابتهاج بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزيارته معراج قائم في كل وقت وحين ، مبسوط موائده ، مفتاحه همة المؤمن الصادق إذا أقبل عليه بالتوقير والتعظيم ، وشغل روحه وفكره وقلبه به صلى الله عليه وآله وسلم ، وبذلك يحصل الخير الجزيل والفضل الكبير ، والأنس والاستئناس والسكينة والطمأنينة ، ويذوق حلاوة الإيمان . والبيان واضح في تلك الأخبار بما أذن الله للنبي المختار .
ففي الخبر الأول : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى عليه ) ، وفي رواية : ( يعبد ) وهو حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند 7352 موصولا ومالك في الموطأ 172 مرسلا وأخرجه البزار (مجمع الزوائد 2/28) موصولا . والحديث له طرق .
وبهذا تَرِد تساؤولات وردود ، والسؤال الذي يطرح نفسه لم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ؟؟ هل كشف له حال الأمة من بعده أنها ستتخذ قبره وثنا ؟؟
أم رأى من تعظيم الصحابة أن يصل بهم الحد أن يتخذوا قبره وثنا فدعا بهذه الدعوة ؟؟ وهل دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا مجاب أم ليس مجابا ؟؟
وفي الخبر الثاني : ( لا تجعل قبري عيدا ... ) الحديث . هل يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعيد الابتهاج والفرح أم التعظيم والتوقير لقدره ؟
وما السبب في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في هذا الحديث عن اتخاذ قبره عيدا واتخاذ بيوت المؤمنين مقابر ؟
وما الذي يقصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟
وما العيد الذي عناه وما المقبرة التي عناها ؟؟
وإلى ماذا يرشد الحديث ؟؟
وما الذي يشير إليه ؟؟
وهل يعني بالعيد إظهار زينة مخصوصة كما يعمل في الأعياد ؟
؟ أم النهي حاصل عن تخصيص يوم معين والعكوف عليه ، وإظهار الزينة عند القبر كما هو الحال في الأعياد أم يكتفى في الزيارة بالسلام والدعاء فقط ؟؟
وهل في الحديث نهي لأصحابه وأتباعه عن توقير قبره وتعظيمه ؟؟
وهل يأمرهم في الحديث بالابتهاج في دورهم وينهاهم عن ذلك في مسجده ؟؟
وهل الاحتفال مقصور على البيوت دون المسجد ؟؟
نقول وبالله التوفيق مجيبا على هذه التساؤلات :
التساؤل الأول :
لم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى عليه ) ؟
أو ( وثنا يعبد ) هل كشف له حال الأمة من بعده أنها ستتخذ قبره وثنا أم رأى من تعظيم أصحابه له أنه يصل بهم إلى الحد أن يتخذوا قبره وثنا ، فدعا بهذه الدعوة ؟؟
فهذا التساؤل مجاب عليه ضمن الحديث المتقدم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يخص زيارته بيوم معين ولم يكلف الأمة عناء ذلك وتخصيص ذلك اليوم لأن فضله صلى الله عليه وآله وسلم إنما استمد من صلاة الله المتكررة عليه في كل لحظة فلا يليق بما تكرر فضله أن يخصص بيوم معين لأنه هو المد للفضائل كلها وهو عين الأعيان الإمدادية صلاة الله عليه وآله وسلم . وكما أن المراد من زيارته صلى الله عليه وآله وسلم توطن محبته في القلوب وتطبع النفوس بالصلاة عليه كذلك الاحتفال به ما هو إلا توطين محبته في القلوب وتطبيع النفس بإدمان الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم .
والحديث وإن كان لفظه النفي فمعناه وجوب المواصلة الدائمة ، أي لا تجعله عيدا مرة في السنة بل اجعله معراجا متصلا ...
لذا ترك الابتهاج به مرة واحدة لوجوبه في كل لحظة .
أضف إلى ذلك البيان الذي جاء في عجز الحديث : ( ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ... ) يعني بل عيدا ... أي أن الابتهاج به لا يختص بالمكان ليوافق ذلك قوله سبحانه : (( واعلموا أن فيكم رسول الله )) –الحجرات 7- ولا يعني ذلك نفي منزلة المكان وفضله ولكن على قدر الكمال يضاعف الأجر .
وهذا دليلنا لتخصيص ليلة المولد النبوي الشريف بالابتهاج بالنسبة إلينا ، فالمناسبات جرس لتنبيه الغافل لا لتحكي ما في نفس الأمر . فللرسول عليه الصلاة والسلام رحمة دائمة وحضور دائم ... وما المناسبات إلا تنبيه للعوام في تفسير المطلق ... فالحضور والشعور به إنما هو للعبد المكلف لا حضور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ هو إرسال دائم لا ينقطع ورحمة دائمة لا تنفد .
ولنا دليل ثان وهو قدر الإسلام وقدر القرآن وقدر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتحقق في كل زمان ومكان ، حيث أكد على ذلك القرآن في آيات كثيرة منها قوله : (( إنا أنزلناه في ليلة القدر ))
–القدر :
1- فإذا كان قد تحقق فضل الزمان والمكان في الأبعاض والفروع أي بالنسبة إلى ملاحِظِه ، فمن باب أولى أن يتحقق ذلك في الأصول . وهذا الأمر قد تحقق بناموس الفطرة التي فطرها الله ، فالخير إذا عم شاع ، كمثل اشتهار بلد بشيء ما كثمر أو صنعة ... فانتشارها في العالم يحقق فائدتها ولكن يبقى لها في موطنها تمييز خاص له أثره ... فهذا حال كل عظيم .
أضف إلى ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في هديه : ( إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ) رواه مسلم 2812. وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا : ( إن هذه الأمة مرحومة ) أخرجه أحمد في المسند 4/408 وإسناده لا بأس به وله شواهد تقويه .
فإذا لم يخش النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشرك وإنما خشي عليها من الاختلاف في جهل فقه الاختلاف ... وقد استجيبت دعوته صلى الله عليه وآله وسلم .
أما احتمال أن يرى أصحابه وقد اتخذوا قبره وثنا فهذا احتمال باطل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... ) الحديث . أخرجه البخاري 2652 ومسلم 2533 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ... ) أخرجه الترمذي 2676 وصححه هو وابن حبان ، واللفظ له . أي : سنته ومنهج آل بيته وأصحابه أجمعين .
التساؤل الثاني :
هل يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعيد : الابتهاج والفرح أم التعظبم والتوقير لقبره ؟ وهل التوقير يؤدي إلى العبادة ؟!
يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعيد : الابتهاج والفرح لأنهما مظهر من مظاهر التوقير والتعظيم فمن عظم شيئا ابتهج له ووقره .
فابتهاجنا بعيد الفطر مظهر تعظيمنا لشهر رمضان المبارك ، وابتهاجنا بعيد الأضحى مظهر لمشاركتنا بهجة الحجيج في تعظيمهم لأيام الله المشهورة . وعيد الأضحى هو عيد الأعياد ففيه فرحة آدم وحواء ، وفيه فرحة إبراهيم بفداء ابنه عليه السلام ، وفيه فرحة رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بتمام الرسالة ... ولذلك سمي بالعيد الأكبر .
ودعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استجيب ، فليس أحد من المسلمين يعبد محمدا ، إنما هو التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وآله وسلم .
التساؤل الثالث :
ما السبب في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ بيته عيدا واتخاذ بيوت المؤمنين مقابر ، وما هي المناسبة لهذا الربط ، وما العيد الذي عناه ، وما المقابر التي عناها ، وإلى ماذا يرشد الحديث ؟
لقد تبين من الجواب المتقدم طرف من محصل هذا التساؤل ، وبقي بيان مناسبة الارتباط بين بيته صلى الله عليه وآله وسلم وبيوت المؤمنين .
لاشك أن المناسبة هي أن وجود روحه صلى الله عليه وآله وسلم غير مقتصرة على مسجده بل إن روحه حاضرة جوالة في بيوت المؤمنين وذلك لكثرة ذكرها ، إذ أن الرحمة متحصلة حيثما تعرض لها بالذكر وجدا أو تواجدا ، ودليله الحديث : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) أخرجه مسلم في صحيحه 2699
والرحمة هنا هي روح سيد المرسلين وأرواح أولياء الله الصالحين * ، وقد ثبت عن الإمام الجليل سفيان بن عيينة أنه قال : "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء 7/285 بسند حسن .
ولا يمنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم البهجة حين رؤية مرقده أو زيارة مسجده بهذا الحديث ، وكأني به صلى الله عليه وآله وسلم يقول : "لا تقصروا الفرحة بي عند مجيئكم مسجدي بل افرحوا بي حيثما كنتم وحيثما حللتم ..." فكل موطن لا يظهر فيها الابتهاج والفرح برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – والذي من أجلى مظاهره الصلاة والسلام عليه – إنما هو حسرة وندامة كما قال صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في هديه الشريف : ( ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله فيه ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن أدخلوا الجنة للثواب ) أخرجه ابن حبان في صحيحه 591 وإسناده صحيح وله شواهد أخرى .
فالعيد الذي عناه صلى الله عليه وآله وسلم هو الفرح والبهجة به حيثما وجد المؤمن ... والمقابر التي عناها هي عدم الابتهاج به وذلك من عدم الصلاة عليه والتي يترتب عليها موت القلوب والأرواح وبقاؤها في سجن الأشباح ، لا تعرف للنور سبيلا ، وهذا معنى اللعن والطرد من رحمة الله ، فقد أخرج مسلم في صحيحه : ( مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت )
والحديث يرشد إلى الآتي :
1- الحض على الابتهاج بزيارته ومولده صلى الله عليه وآله وسلم وأنهما يتحدان في تأصيل الإيمان وتثبيت القلوب وتطبيعها على التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وآله وسلم .
2- أن الصلاة عليه أعظم مظهر من مظاهر الابتهاج وهي متحققة في توقيره وتعظيمه والاحتفاء برفعة شأنه .
3- إظهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقدره ، وأن قدره غير محصور في بقعة من البقاع أو مكان من الأمكنة بل هو ممتد في جميع مناحي الحياة ، للبر والفاجر ، للكافرين رحمة إيقاظ وتأجيل عذاب في الحياة الدنيا ، وللمؤمنين رحمة إرشاد وإمداد (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) وقوله : (( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا )) . فالبشارة هي النعمة التي حظي بها المؤمنون .
4- التيسير على المسلمين لزيارة قبره المكرم في أي وقت دون تحديد وقت معين .
5- توضيح النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة بأن الصلاة عليه وزيارته عيد لا كالأعياد ، بل هو سيد الأعياد ، والسيد بابه مفتوح ، لا يفتح في وقت دون وقت .
6- تبيين مقام الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم .
7- الحديث يدعو إلى استمرارية التعلق به صلى الله عليه وآله وسلم وأن التعلق لا يتوقف على الزمان والمكان بل هو في كل وقت وحين .
8- العيد مظهر من مظاهر الشكر لله سبحانه وتعالى .
والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مظهر من مظاهر المنة ، والمنة تحتاج لحفاوة مطلقة وابتهاج مطلق وتوقير وتعظيم مستمر لأن المنة تكون بما يصدر منه إليك ، وأما الشكر فيما يصدر منك إليه تعالى . فالشكر مظهر من مظاهر المنة وهو بمنزلة الفرع من الأصل ... وصدق الله إذ يقول : (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ... ))
التساؤل الرابع :
هل يعني بالعيد إظهار زينة مخصوصة كما يعمل في الأعياد ، وهل يكتفى في الزيارة بالسلام والدعاء فقط ؟
لا شك أن الزينة مظهر اتفقت عليه الأعراف لكل ابتهاج كالفرحة بالزواج ، وقد حضت على إظهاره الشريعة الغراء لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف ) حديث صحيح أخرجه ابن حبان 4066 والحاكم 2/183 وصححاه .
ويسن فيه ضرب الدف والغناء المهذب ، ووضع مظاهر الزينة ، فما دامت هذه الأشياء معتبرة عرفا وشرعا فمن باب أولى أن تستعمل في الابتهاج بمنة الله العظمى وليس ثمة مسوغ في المنع بل التحذير من منعها لقوله سبحانه : (( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ... ))
فالنهي منصب إذن على نخصيص يوم معين والغفلة عن ذلك في سائر الأيام ، لأن توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم والابتهاج به دين وأي دين .
ولا يكتفى عند الزيارة بالسلام والدعاء فقط دون الابتهاج والتوقير والتعظيم واستحضار قداسة المكان لأجل أن يتحقق رجاء العبد من المنان عند وقوفه بباب كعبة الإحسان صلى الله عليه وآله وسلم .
التساؤل الخامس :
هل في الحديث نهي للصحابة من توقير وتعظيم قبره ؟ وهل يأمرهم بالابتهاج في دورهم وينهاهم عن ذلك في مسجده ؟ وهل الاحتفال مقصور على البيوت دون المسجد ؟
ليس في الحديث نهي عن توقير وتعظيم قبره ، بل في الحديث أمر وحض على توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم لما قررنا سلفا ، ويؤيده قول سبحانه (( وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا )) فاعتبر الصلاة عليه بمنزلة التسبيح والتهليل بل هي أعظم لأنها ذكر الله وملائكته .
نعم ، يأمرهم بالابتهاج في دورهم ولم ينههم عن ذلك في مسجده إلا إذا اقتصر عليه دون سواه كما تقدم ، ولا يعني كونه أمر به في البيوت ، ومنعه في مسجده ، فالمنع منصب إذا خصص بيته قيدا للابتهاج دون سواه كما تقرر سابقا ، والله أعلم .
الحديث الآخر : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) قال الخفاج في نسيم الرياض 3/513 : "أي كالوثن وهو الصنم من الحجارة ... أي بعد وضعي فيه ، وقيل : الفرق بين الوثن والصنم ... الأول ما كان نحتا من حجارة وغيرها ، والثاني ما كان صورة مجسمة ، وقيل : هما بمعنى ، فيطلقان عليهما" انتهى .
* قال الإمام الألوسي عند قوله سبحانه وتعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) قال : محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وقال في تفسيره 3/24 عند قوله سبحانه (( والسابقات سبقا )) : أي أرواح الصالحين ممن تقضى بهم الحوائج ، وتنال بهم الرغائب .انتهى
الشيخ عيسى بن مانع الحميري / بلوغ المأمول في الاحتفاء والاحتفال بمولد الرسول
ومما فتح الله به على العبد الضعيف بفضل الله تعالى من قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم )) حديث صحيح أخرجه أحمد 2/367 وأبوداود 2042 وابن خزيمة 48 وغيرهم .
لما علم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من توقير الله له في جميع أطوار حياته وأن قبره مكرم معظم ، وسيكون ملجأ للصادقين : طلب من ربه ألا يخص ذلك التعظيم بيوم معين أو ساعة معينة لئلا تحصل فيه المشقة على الأمة ، بل أراد أن تكون زيارته صلى الله عليه وآله وسلم مطلقة في كل وقت وحين ؛ تيسيرا على هذه الأمة .
فكل وقت ولحظة يزور فيها الزائرون قبره المعظم هو وقت سرور وحبور لا شك في ذلك ولا ريب ، فهو مائدة مفتوحة كما هو الشأن في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، فكلما تصلي عليه يحصل لك السرور والفرح ، ويؤيد ذلك قول القاضي عياض والإمام ابن حجر كما نقل الإمام الخفاجي في نسيم الرياض 3/502 : " المراد لا تتخذوها كالعيد في العام مرة بل أكثروا من زيارتها –أي القبور- " انتهى قوله .
ويؤيد تلك الرواية قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تتخذوا بيتي عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني ) رواه الطبراني وأبويعلى بسند حسن كما قال القاري في شرح الشفا 3/502 هامش نسيم الرياض .
وهذا الحديث فيه تأكيد واضح أن الاحتفاء والابتهاج بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزيارته معراج قائم في كل وقت وحين ، مبسوط موائده ، مفتاحه همة المؤمن الصادق إذا أقبل عليه بالتوقير والتعظيم ، وشغل روحه وفكره وقلبه به صلى الله عليه وآله وسلم ، وبذلك يحصل الخير الجزيل والفضل الكبير ، والأنس والاستئناس والسكينة والطمأنينة ، ويذوق حلاوة الإيمان . والبيان واضح في تلك الأخبار بما أذن الله للنبي المختار .
ففي الخبر الأول : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى عليه ) ، وفي رواية : ( يعبد ) وهو حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند 7352 موصولا ومالك في الموطأ 172 مرسلا وأخرجه البزار (مجمع الزوائد 2/28) موصولا . والحديث له طرق .
وبهذا تَرِد تساؤولات وردود ، والسؤال الذي يطرح نفسه لم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ؟؟ هل كشف له حال الأمة من بعده أنها ستتخذ قبره وثنا ؟؟
أم رأى من تعظيم الصحابة أن يصل بهم الحد أن يتخذوا قبره وثنا فدعا بهذه الدعوة ؟؟ وهل دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا مجاب أم ليس مجابا ؟؟
وفي الخبر الثاني : ( لا تجعل قبري عيدا ... ) الحديث . هل يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعيد الابتهاج والفرح أم التعظيم والتوقير لقدره ؟
وما السبب في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في هذا الحديث عن اتخاذ قبره عيدا واتخاذ بيوت المؤمنين مقابر ؟
وما الذي يقصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟
وما العيد الذي عناه وما المقبرة التي عناها ؟؟
وإلى ماذا يرشد الحديث ؟؟
وما الذي يشير إليه ؟؟
وهل يعني بالعيد إظهار زينة مخصوصة كما يعمل في الأعياد ؟
؟ أم النهي حاصل عن تخصيص يوم معين والعكوف عليه ، وإظهار الزينة عند القبر كما هو الحال في الأعياد أم يكتفى في الزيارة بالسلام والدعاء فقط ؟؟
وهل في الحديث نهي لأصحابه وأتباعه عن توقير قبره وتعظيمه ؟؟
وهل يأمرهم في الحديث بالابتهاج في دورهم وينهاهم عن ذلك في مسجده ؟؟
وهل الاحتفال مقصور على البيوت دون المسجد ؟؟
نقول وبالله التوفيق مجيبا على هذه التساؤلات :
التساؤل الأول :
لم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى عليه ) ؟
أو ( وثنا يعبد ) هل كشف له حال الأمة من بعده أنها ستتخذ قبره وثنا أم رأى من تعظيم أصحابه له أنه يصل بهم إلى الحد أن يتخذوا قبره وثنا ، فدعا بهذه الدعوة ؟؟
فهذا التساؤل مجاب عليه ضمن الحديث المتقدم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يخص زيارته بيوم معين ولم يكلف الأمة عناء ذلك وتخصيص ذلك اليوم لأن فضله صلى الله عليه وآله وسلم إنما استمد من صلاة الله المتكررة عليه في كل لحظة فلا يليق بما تكرر فضله أن يخصص بيوم معين لأنه هو المد للفضائل كلها وهو عين الأعيان الإمدادية صلاة الله عليه وآله وسلم . وكما أن المراد من زيارته صلى الله عليه وآله وسلم توطن محبته في القلوب وتطبع النفوس بالصلاة عليه كذلك الاحتفال به ما هو إلا توطين محبته في القلوب وتطبيع النفس بإدمان الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم .
والحديث وإن كان لفظه النفي فمعناه وجوب المواصلة الدائمة ، أي لا تجعله عيدا مرة في السنة بل اجعله معراجا متصلا ...
لذا ترك الابتهاج به مرة واحدة لوجوبه في كل لحظة .
أضف إلى ذلك البيان الذي جاء في عجز الحديث : ( ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ... ) يعني بل عيدا ... أي أن الابتهاج به لا يختص بالمكان ليوافق ذلك قوله سبحانه : (( واعلموا أن فيكم رسول الله )) –الحجرات 7- ولا يعني ذلك نفي منزلة المكان وفضله ولكن على قدر الكمال يضاعف الأجر .
وهذا دليلنا لتخصيص ليلة المولد النبوي الشريف بالابتهاج بالنسبة إلينا ، فالمناسبات جرس لتنبيه الغافل لا لتحكي ما في نفس الأمر . فللرسول عليه الصلاة والسلام رحمة دائمة وحضور دائم ... وما المناسبات إلا تنبيه للعوام في تفسير المطلق ... فالحضور والشعور به إنما هو للعبد المكلف لا حضور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ هو إرسال دائم لا ينقطع ورحمة دائمة لا تنفد .
ولنا دليل ثان وهو قدر الإسلام وقدر القرآن وقدر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتحقق في كل زمان ومكان ، حيث أكد على ذلك القرآن في آيات كثيرة منها قوله : (( إنا أنزلناه في ليلة القدر ))
–القدر :
1- فإذا كان قد تحقق فضل الزمان والمكان في الأبعاض والفروع أي بالنسبة إلى ملاحِظِه ، فمن باب أولى أن يتحقق ذلك في الأصول . وهذا الأمر قد تحقق بناموس الفطرة التي فطرها الله ، فالخير إذا عم شاع ، كمثل اشتهار بلد بشيء ما كثمر أو صنعة ... فانتشارها في العالم يحقق فائدتها ولكن يبقى لها في موطنها تمييز خاص له أثره ... فهذا حال كل عظيم .
أضف إلى ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في هديه : ( إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ) رواه مسلم 2812. وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا : ( إن هذه الأمة مرحومة ) أخرجه أحمد في المسند 4/408 وإسناده لا بأس به وله شواهد تقويه .
فإذا لم يخش النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشرك وإنما خشي عليها من الاختلاف في جهل فقه الاختلاف ... وقد استجيبت دعوته صلى الله عليه وآله وسلم .
أما احتمال أن يرى أصحابه وقد اتخذوا قبره وثنا فهذا احتمال باطل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... ) الحديث . أخرجه البخاري 2652 ومسلم 2533 وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ... ) أخرجه الترمذي 2676 وصححه هو وابن حبان ، واللفظ له . أي : سنته ومنهج آل بيته وأصحابه أجمعين .
التساؤل الثاني :
هل يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعيد : الابتهاج والفرح أم التعظبم والتوقير لقبره ؟ وهل التوقير يؤدي إلى العبادة ؟!
يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعيد : الابتهاج والفرح لأنهما مظهر من مظاهر التوقير والتعظيم فمن عظم شيئا ابتهج له ووقره .
فابتهاجنا بعيد الفطر مظهر تعظيمنا لشهر رمضان المبارك ، وابتهاجنا بعيد الأضحى مظهر لمشاركتنا بهجة الحجيج في تعظيمهم لأيام الله المشهورة . وعيد الأضحى هو عيد الأعياد ففيه فرحة آدم وحواء ، وفيه فرحة إبراهيم بفداء ابنه عليه السلام ، وفيه فرحة رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بتمام الرسالة ... ولذلك سمي بالعيد الأكبر .
ودعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استجيب ، فليس أحد من المسلمين يعبد محمدا ، إنما هو التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وآله وسلم .
التساؤل الثالث :
ما السبب في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ بيته عيدا واتخاذ بيوت المؤمنين مقابر ، وما هي المناسبة لهذا الربط ، وما العيد الذي عناه ، وما المقابر التي عناها ، وإلى ماذا يرشد الحديث ؟
لقد تبين من الجواب المتقدم طرف من محصل هذا التساؤل ، وبقي بيان مناسبة الارتباط بين بيته صلى الله عليه وآله وسلم وبيوت المؤمنين .
لاشك أن المناسبة هي أن وجود روحه صلى الله عليه وآله وسلم غير مقتصرة على مسجده بل إن روحه حاضرة جوالة في بيوت المؤمنين وذلك لكثرة ذكرها ، إذ أن الرحمة متحصلة حيثما تعرض لها بالذكر وجدا أو تواجدا ، ودليله الحديث : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) أخرجه مسلم في صحيحه 2699
والرحمة هنا هي روح سيد المرسلين وأرواح أولياء الله الصالحين * ، وقد ثبت عن الإمام الجليل سفيان بن عيينة أنه قال : "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء 7/285 بسند حسن .
ولا يمنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم البهجة حين رؤية مرقده أو زيارة مسجده بهذا الحديث ، وكأني به صلى الله عليه وآله وسلم يقول : "لا تقصروا الفرحة بي عند مجيئكم مسجدي بل افرحوا بي حيثما كنتم وحيثما حللتم ..." فكل موطن لا يظهر فيها الابتهاج والفرح برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – والذي من أجلى مظاهره الصلاة والسلام عليه – إنما هو حسرة وندامة كما قال صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في هديه الشريف : ( ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله فيه ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن أدخلوا الجنة للثواب ) أخرجه ابن حبان في صحيحه 591 وإسناده صحيح وله شواهد أخرى .
فالعيد الذي عناه صلى الله عليه وآله وسلم هو الفرح والبهجة به حيثما وجد المؤمن ... والمقابر التي عناها هي عدم الابتهاج به وذلك من عدم الصلاة عليه والتي يترتب عليها موت القلوب والأرواح وبقاؤها في سجن الأشباح ، لا تعرف للنور سبيلا ، وهذا معنى اللعن والطرد من رحمة الله ، فقد أخرج مسلم في صحيحه : ( مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت )
والحديث يرشد إلى الآتي :
1- الحض على الابتهاج بزيارته ومولده صلى الله عليه وآله وسلم وأنهما يتحدان في تأصيل الإيمان وتثبيت القلوب وتطبيعها على التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وآله وسلم .
2- أن الصلاة عليه أعظم مظهر من مظاهر الابتهاج وهي متحققة في توقيره وتعظيمه والاحتفاء برفعة شأنه .
3- إظهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقدره ، وأن قدره غير محصور في بقعة من البقاع أو مكان من الأمكنة بل هو ممتد في جميع مناحي الحياة ، للبر والفاجر ، للكافرين رحمة إيقاظ وتأجيل عذاب في الحياة الدنيا ، وللمؤمنين رحمة إرشاد وإمداد (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) وقوله : (( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا )) . فالبشارة هي النعمة التي حظي بها المؤمنون .
4- التيسير على المسلمين لزيارة قبره المكرم في أي وقت دون تحديد وقت معين .
5- توضيح النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة بأن الصلاة عليه وزيارته عيد لا كالأعياد ، بل هو سيد الأعياد ، والسيد بابه مفتوح ، لا يفتح في وقت دون وقت .
6- تبيين مقام الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم .
7- الحديث يدعو إلى استمرارية التعلق به صلى الله عليه وآله وسلم وأن التعلق لا يتوقف على الزمان والمكان بل هو في كل وقت وحين .
8- العيد مظهر من مظاهر الشكر لله سبحانه وتعالى .
والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مظهر من مظاهر المنة ، والمنة تحتاج لحفاوة مطلقة وابتهاج مطلق وتوقير وتعظيم مستمر لأن المنة تكون بما يصدر منه إليك ، وأما الشكر فيما يصدر منك إليه تعالى . فالشكر مظهر من مظاهر المنة وهو بمنزلة الفرع من الأصل ... وصدق الله إذ يقول : (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ... ))
التساؤل الرابع :
هل يعني بالعيد إظهار زينة مخصوصة كما يعمل في الأعياد ، وهل يكتفى في الزيارة بالسلام والدعاء فقط ؟
لا شك أن الزينة مظهر اتفقت عليه الأعراف لكل ابتهاج كالفرحة بالزواج ، وقد حضت على إظهاره الشريعة الغراء لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف ) حديث صحيح أخرجه ابن حبان 4066 والحاكم 2/183 وصححاه .
ويسن فيه ضرب الدف والغناء المهذب ، ووضع مظاهر الزينة ، فما دامت هذه الأشياء معتبرة عرفا وشرعا فمن باب أولى أن تستعمل في الابتهاج بمنة الله العظمى وليس ثمة مسوغ في المنع بل التحذير من منعها لقوله سبحانه : (( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ... ))
فالنهي منصب إذن على نخصيص يوم معين والغفلة عن ذلك في سائر الأيام ، لأن توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم والابتهاج به دين وأي دين .
ولا يكتفى عند الزيارة بالسلام والدعاء فقط دون الابتهاج والتوقير والتعظيم واستحضار قداسة المكان لأجل أن يتحقق رجاء العبد من المنان عند وقوفه بباب كعبة الإحسان صلى الله عليه وآله وسلم .
التساؤل الخامس :
هل في الحديث نهي للصحابة من توقير وتعظيم قبره ؟ وهل يأمرهم بالابتهاج في دورهم وينهاهم عن ذلك في مسجده ؟ وهل الاحتفال مقصور على البيوت دون المسجد ؟
ليس في الحديث نهي عن توقير وتعظيم قبره ، بل في الحديث أمر وحض على توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم لما قررنا سلفا ، ويؤيده قول سبحانه (( وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا )) فاعتبر الصلاة عليه بمنزلة التسبيح والتهليل بل هي أعظم لأنها ذكر الله وملائكته .
نعم ، يأمرهم بالابتهاج في دورهم ولم ينههم عن ذلك في مسجده إلا إذا اقتصر عليه دون سواه كما تقدم ، ولا يعني كونه أمر به في البيوت ، ومنعه في مسجده ، فالمنع منصب إذا خصص بيته قيدا للابتهاج دون سواه كما تقرر سابقا ، والله أعلم .
الحديث الآخر : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) قال الخفاج في نسيم الرياض 3/513 : "أي كالوثن وهو الصنم من الحجارة ... أي بعد وضعي فيه ، وقيل : الفرق بين الوثن والصنم ... الأول ما كان نحتا من حجارة وغيرها ، والثاني ما كان صورة مجسمة ، وقيل : هما بمعنى ، فيطلقان عليهما" انتهى .
* قال الإمام الألوسي عند قوله سبحانه وتعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) قال : محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وقال في تفسيره 3/24 عند قوله سبحانه (( والسابقات سبقا )) : أي أرواح الصالحين ممن تقضى بهم الحوائج ، وتنال بهم الرغائب .انتهى